الموت وخروج الروح
ذكر النسفي في " زهر الرياض " : إذا دنت منيه العبد نزل عليه أربعة من الملائكة فيقول الأول : السلام عليك يا عبد الله قلبت مشارق الارض ومغاربها فلن أجد لك خطوه تخطوها . ثم يقول الثاني : السلام عليك يا عبد الله قلبت أنهار الدنيا فلم أجد لك شربه . ثم يقول الثالث : السلام عليك يا عبد الله قلبت مشارق الارض ومغاربها فلم أجد لك لقمه فيها . ثم يقول الرابع : السلام عليك يا عبد الله قلبت مشارق الارض ومغاربها فلم أجد لك نفساً تتنفس به .مسألة:
قال القرطبي رحمة الله في " تذكرة " : اختلف الناس في الروح اختلافاً كثيراً فمذهب أهل السنه أن جسم لطيف . وذكر قبل هذا بيسير أن الروح بعينين ويدين ثم ذكر بعد هذا أن الروح تكون تارة في الأرض على أفنيه القبور وتارة في السماء لا في الجنة قال عمرو ابن دينار : ما من ميت يموت وروحه في يد ملك تنظر الى جسدها كيف يغسل ؟ كيف يكفن ؟ وكيف يمشي ؟ فيجلس في قبره و يقال له : اسمع ثناء الناس عليك ذكره الحافظ ابو نعيم . وقيل : إن الأرواح تزور قبورها كل جمعة على الدوام فلذلك يستحب زياره القبور ليلة الجمعة ويومها . قال النبي ﷺ : " حسنوا أكفان نوتاكم فإنهم يتباهون و يتزاورون في قبورهم " . ثم قال القرطبي : قال أهل السنة : إن الروح ترفعها الملائكة الى الله - تعالى - فإن كانت سعيدة قال : سيروا بها وأروها مقعدها من الجنة فيسيرون بها على قدر ما يغسل فإذا غسل وكفن صارت بين جسده وكفنه فإذا حمل على النعش سمع كلام من تكلم خيرا او شر . قال في " شرح المهذب " : قال جماعة بكراهة الكلام خلف الجنازة حتى قول القائل استغفر الله . و من الجماعه : الحسن البصري وابن جبير وإسحاق بن راهويه . و الصواب : أن الاشتغال بالذكر خلف الجنازة مستحب كما قال في " الأذكار " . و يكون سراً . و الله أعلم فإذا دخل قبره دخلت الروح في الجسد ؛ لأجل السؤال و النعيم والعذاب عليهما ويلحقهما ثواب الصدقة والدعاء قال النبي ﷺ : " مثل المؤمن في قبره مثل الغريق يتعلق بكل شيء ينتظر دعوة من والد أو ولد أو اخ أو صديق و أنه ليدخل على قبور الأموات دعاء الأحياء من الأنوار أمثال الجبال والدعاء للأموات بمنزلة الهدايا للأحياء من أهل الدنيا " .فيدخل الملك علي الميت و معه طبق من نور فيقول : هذه هدية لك من عند أخيك أو قريبك فيفرح بها كما يفرح الحي بالهدايا .
الفائدة الاولي:
عن أنس عن النبي ﷺ قال : " ما من عبد يقوم على قبر مؤمن فيدعو بهذا الدعاء إلا غفر الله لذلك الميت : الحمد لله الذي لا يبقى إلا وجهه ولا يدوم إلا ملكه وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهاً واحداً صمداً وتراً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد وأشهد أن محمدا عبده ورسوله جزى الله محمداً النبي الأمي ماهو اهله " .الفائدة الثانية:
عن النبي ﷺ: " إذا قرأ المؤمن آيه الكرسي وجعل ثوابها لأهل القبور أدخل الله في كل قبر من أهل المشرق والمغرب أربعين نوراً و وسع الله عليهم مضاجعهم وأعطى الله للقارئ ثواب ستين نبياً ورفع له بكل حرف درجه وكتب له بكل ميت عشر حسنات " .الفائدة الثالثة:
رأيت في كتاب " المختار و مطالع الأنوار " : عن النبي ﷺ أنه قال : " يأتي على الميت أشد من الليلة الأولى فارحموا موتاكم بالصدقة فمن لم يجد فليصل ركعتين يقرأ فيهما فاتحه الكتاب وآيه الكرسي و ألهاكم التكاثر وقل هو الله أحد إحدي عشرة مرة ويقول : اللهم إني صليت هذه الصلاة وتعلم ما أريد اللهم ابعث ثوابها إلى قبر فلان ابن فلان فيبعث الله من ساعته إلى قبره الف ملك مع كل ملك نور وهدية يؤنسونه في قبره إلى أن ينفخ في الصور ويعطي الله المصلي بعدد ما طلعت عليه الشمس حسنات ويرفع الله له أربعين الف درجه و أربعين الف حجة وعمرة ويبني الله له ألف مدينة في الجنة ويعطي ثواب ألف شهيد ويكسى ألف حلة " .و هذه فائدة عظيمة ينبغي لكل مسلم أن يصليها كل ليلة لأموات المسلمين .
الفائدة الرابعة:
من دخل المقابر و قال : اللهم رب هذه الأرواح الفانيه والأجساد الباليه والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنه أدخل عليهم رحمة منك وسلاماً مني كتب له من الحسنات بعدد الأموات . حكاه القرطبي عن الحسن البصري . وفي " ربيع الابرار " بعدد من مات من آدم الى يوم القيامة وأن النبي ﷺ يقولها إذا دخل الجبانة ونظيره عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي ﷺ قال : " من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم وكان له بعده من مات فيها " . وعن النبي ﷺ : " أيما مسلم قرأ يس وهو في سكرات الموت لم يقبض روحه ملك الموت حتى يجيئه رضوان خازن الجنان بشربه من شراب الجنة وهو ريان و أيما مسلم قرأت عنده سورة يس إذا نزل به ملك الموت نزل بكل حرف عشرة آلاف ملك يقومون بين يديه صفوفاً يصلون عليه ويستغفرون له ويشهدون غسله وجنازته ودفنه " ذكره ابن العماد في الذريعة .الفائدة الخامسة:
زيارة القبور مستحبة للرجال ؛ لأنها أنفع للقلوب وتزهد في الدنيا وتذكر الاخره وقد أمر النبي ﷺ بها و مكروهة للنساء . وقيل : تحرم . لأن النبي ﷺ لعن زائرات القبور . وقيل : تباح إذا أمنت الفتنه وجزم بها الغزالي . قال في " شرح الهذب " : والذي قطع به الجمهور أن زيارة القبور مكروهة للنساء كراهة تنزيه ثم حكى عن بعضهم تفصيلاً وهو : إن كانت زيارتهن لتجديد الحزن والبكاء والنواح فحرام وإن كانت للإعتبار فمكروهة إلا أن تكون نحو عجوز لا تشتهي فلا يكره كحضورها الجماعة في المسجد ولا كراهة في زيارتهن قبور العلماء الصالحين ويقول الزائر مستقبلاً للقبر : السلام عليكم دار قوم المؤمنين .الفائدة السادسة:
قال أنس – رضي الله عنه – عن النبي ﷺ : " من رأى جنازة فقال : الله اكبر صدق الله هذا ما وعدنا الله ورسوله اللهم زدنا إيماناً وتسليماً كتب له عشرون حسنه من يوم يقولها الى يوم القيامة " وقيل للإمام مالك - رحمة الله تعالى - بعد موته : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي بكلمة كان يقولها عثمان - رضي الله عنه - عند رؤيه الجنازة : لا إله إلا الله سبحان الحي الذي لا يموت . وقال الروياني : يستحب أن يقول عند رؤيه الجنازة لا إله إلا الله الحي الذي لا يموت . و قال النبي ﷺ " إذا مات رجل من أهل الجنة استحي الله أن يعذب من تبع جنازته ومن صلى عليه " . و روي البزار عنه عن النبي ﷺ : " أول ما يجزي به العبد بعد موته أن يغفر الله لجميع من تبع جنازته ". وسيأتي أن مشيع الجنازة يحشر في زمرة الأنبياء ولا دناءة في حمل الجنازة ولو كان الميت امرأة ويندب أن يكون على جنازة المرأة ما يسترها عن أعين الناس كتابوت وسماه الشيخ بصر المقدسي : مكبة . والمارودي : قبه . وصاحب "البيان" : خيمة وأول ما فعل ذلك بفاطمة بنت النبي ﷺ .و قال ابن حبان : أول ما فعل ذلك بزينب بنت جحش أم المؤمنين – رضي الله عنها - . و قيل : بزينب بنت النبي ﷺ . و قال في " شرح المهذب " : و هذا باطل غير معروف . و قال عبدالله المزني صاحب الشافعي : إذا غمضت الميت فقل : بسم الله و علي ملة رسول الله ﷺ و إذا حمته فقل : بسم الله ثم سبح مادمت حامله .
والله تعالى أعلى وأعلم ،نسـأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علماً .