أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

قصة سيدنا موسي و الخضر



قصة سيدنا موسي و الخضر عليهما السلام

إذا أردت أن تعرف قصة سيدنا موسى مع الخضر عليهما السلام فعليك بقراءة الآيات الواردة في سورة الكهف في سياق هذه القصة ، وكذلك الحديث الطويل الذي يرويه الإمام البخاري (رقم/3401)، والإمام مسلم (رقم/2380)، والذي توسع أهل العلم في شرحه وبيان دقائقه .
ولغرض تقريب القصة وتسهيل الكلام عليها وبيان أحداثها وفوائدها ، سنورد ههنا الآيات المقصودة من سورة الكهف مقطعا مقطعا ، ثم نتبع كل مقطع بذكر الموضع الذي يشبهه من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه الذي فيه سياق القصة كاملة أيضا ، ثم نعقب ببيان بعض معاني ذلك المقطع من تفسيري الحافظ ابن كثير والعلامة السعدي رحمهما الله .
فقد اختلفت الآراء حول ما إذا كان "الخضر" هو نبي مرسل من الله، أم أنه ولي من أولياء الله الصالحين، ولكن استقرت الآراء في النهاية، إلى أنه نبي من عند الله؛ لأن الله علمه بعض الأمور عن طريق الوحي، ولا يعلمها إلا الأنبياء.


كانت البداية، ذات يوم كان سيدنا موسى يخطب في بني إسرائيل، فسأله أحد من القوم: هل يوجد في الأرض من هو أعلم منك؟ فقال موسى: لا، فعاتبه الله على هذا القول؛ لأنه لم يفوض الأمر لله، فقال الله تعالى إلى موسى "يا موسى إن لي عبدًا هو على علمٍ، لا تعلمه أنت".

فأخذ موسى يسأل ربه من هذا العبد الذي يعلم ما لا يعلمه، وكيف يجده، فأخبره الله، أنه سيجده عند مجمع البحرين، أي عند منطقة يلتقي بها بحران، وعليه أن يسافر إلى البحر ليبحث عنه، وعلامة المكان الصحيح، هو أن تضيع منه سمكة يحملها معه.


" وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) ".

عن أبي بن كعب رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( إِنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَسُئِلَ : أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ . فَقَالَ : أَنَا . فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنَّ لِي عَبْدًا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ ) .

فطلب موسى من فتاه، يوشع بن نون، أن يحمل كيسًا بداخله سمكة في حقيبته، ليبدأ رحلة البحث عن هذا العبد، حتى لو استغرق الأمر لسنوات، حتى وصلا إلى مجمع البحرين، فقرر موسى أن يستريح قليلًا عند صخرة، بينما ظل يوشع مستقيظًا، فوجد الكيس ينفتح، وتخرج منه السمكة، وتعوم في الماء، بينما عندما استيقظ موسى، نسي يوشع أن يخبره بأنهما قد فقدا السمكة، علامة المكان الصحيح.

يقول الله عز وجل :
( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ) الكهف/60.

قال العلامة السعدي رحمه الله :
" يخبر تعالى عن نبيه موسى عليه السلام ، وشدة رغبته في الخير وطلب العلم ، أنه قال لفتاه – أي : خادمه الذي يلازمه في حضره وسفره ، وهو " يوشع بن نون " الذي نبَّأه الله بعد ذلك : ( لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ) أي : لا أزال مسافرا وإن طالت عليَّ الشُّقَّةُ ، ولحقتني المشقة ، حتى أصل إلى مجمع البحرين ، وهو المكان الذي أوحي إليه أنك ستجد فيه عبدا من عباد الله العالمين ، عنده من العلم ما ليس عندك .

( أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ) أي : مسافة طويلة ، المعنى : أن الشوق والرغبة ، حمل موسى أن قال لفتاه هذه المقالة ، وهذا عزم منه جازم ، فلذلك أمضاه " انتهى.
" تيسير الكريم الرحمن " (ص/481)

وقد أوحى الله عز وجل إلى موسى علامة يعرف بها مكان ذلك العبد .

ففي حديث أبي بن كعب :
( قَالَ مُوسَى : يَا رَبِّ ! فَكَيْفَ لِي بِهِ ؟ قَالَ : تَأْخُذُ مَعَكَ حُوتًا فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ ، فَحَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ ، فَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ ثُمَّ انْطَلَقَ ، وَانْطَلَقَ مَعَهُ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ ، حَتَّى إِذَا أَتَيَا الصَّخْرَةَ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا فَنَامَا ، وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ ، فَخَرَجَ مِنْهُ فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ ( فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ) وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْ الْحُوتِ جِرْيَةَ الْمَاءِ ، فَصَارَ عَلَيْهِ مِثْلَ الطَّاقِ ) .

وفي رواية أخرى للبخاري :
( وَفِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا الْحَيَاةُ ، لَا يُصِيبُ مِنْ مَائِهَا شَيْءٌ إِلَّا حَيِيَ ، فَأَصَابَ الْحُوتَ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ ، قَالَ : فَتَحَرَّكَ وَانْسَلَّ مِنْ الْمِكْتَلِ فَدَخَلَ الْبَحْرَ )
وفي ذلك يقول الله عز وجل :
( فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا)
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" ( فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ) أي : مثل السَرَب في الأرض .
قال ابن جريح : قال ابن عباس : صار أثره كأنه حَجَر .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : جعل الحوت لا يمس شيئًا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة " انتهى.
" تفسير القرآن العظيم " (5/174)
وبعد ذلك يقول الله سبحانه وتعالى : " فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) ".

قال العلامة السعدي رحمه الله :
" ( ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ) أي : نطلب . ( فَارْتَدَّا ) أي : رجعا ( عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ) أي : رجعا يقصان أثرهما إلى المكان الذي نسيا فيه الحوت "
" تيسير الكريم الرحمن " (ص/481)
وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه : ( فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نَسِيَ صَاحِبُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالْحُوتِ فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتَهُمَا ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ : ( آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ) قَالَ : وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَا الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ : ( أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ) قَالَ : فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا ، وَلِمُوسَى وَلِفَتَاهُ عَجَبًا . فَقَالَ مُوسَى : ( ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ) قَالَ : رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ ) فغادر موسى وفتاه هذا المكان، وفي أثناء الطريق، شعر موسى بالجوع، وطلب من فتاه أن يعد له طعامًا، فتذكر الفتى ما حدث، فأخبر سيدنا موسى بفقد السمكة، ففرح وعادا معًا إلى نفس المكان الذي فقدا السمكة فيه.

وصل موسى ليجد رجلًا مستلقيًا على الأرض، مغطى بعباءة حتى وجهه، وقد اخضرت الأرض من حوله، ورُوي أن أنه كان عند جلوسه في اي مكان يخضر من حوله، وقد يكشف هذا سبب تسميته بـ"الخضر"، فألقى عليه السلام، فسأله الخضر من أنت؟، فقال موسى، فقال الخضر موسى بني إسرائيل؟، فقال وما أدراك بي؟، قال أدراني بك، من أدراك بي، الله عز وجل.

وبدأ الخضر يسأله عن سبب مجيئه وماذا يريد منه، وأخبره موسى أنه يريد أن يتعلم منه ما لا يعلمه، فأعلمه الخضر أنه لن يستطيع تحمل هذه الرحلة، ولن يصبر؛لأنه لن يعي ماذا يفعل، ولكن موسى أكد له أنه سيكون صبورًا، فرجع يوشع إلى قومه، وبدأت الرحلة الشهيرة بين سيدنا موسى والخضر في البحر، بعد ركبا سفينة بصحبة بعض من أهل المنطقة، الذين يعرفون أن الخضر رجلًا صالحًا.
يقول عز وجل :
( فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا . قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا . قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا . قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا . قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا )
والخضر من بني آدم ، لكن كما قال الحافظ ابن حجر : " اختُلف في اسمه ، وفي اسم أبيه ، وفي نسبه ، وفي نبوته ، وفي تعميره " انتهى. " فتح الباري " (6/433)

وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه :
( فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى ثَوْبًا ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى ، فَقَالَ الْخَضِرُ ، وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ ؟! قَالَ : أَنَا مُوسَى . قَالَ : مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا . قَالَ : إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا ، يَا مُوسَى ! إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ . فَقَالَ مُوسَى : سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا . فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ : فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ) .

وتبدأ الرحلة الغريبة العجيبة ههنا ، ويقص الله عز وجل علينا ما وقع فيها ثلاثة مواقف محيرة ، لم يستطع موسى عليه السلام أن يكتم استغرابه لها ، وأن يحافظ على عهده للخضر أن لا يسأله عن شيء يقع لهما أثناء صحبته له .

يقول الله عز وجل :
" قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74) " .

" قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا (76) فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) ".


‏وكان أول شئ فعله الخضر، أنه أمسك بفأس، وخلع لوحًا من السفينة، فأخذ موسى اللوح ليحاول سد الفجوة التي صنعها الخضر، وسأله: أخرقتها لتغرق أهلها؟ فهذا إفساد للسفينة، فقال له الخضر ألم أخبرك أنك لن تستطيع معي صبرا؟، فطلب منه موسى أن يسامحه، وأنه لن يسأل مرة أخرى.

‏ووصلا إلى قرية بها غلمان يلعبون، فأخذ يحدق في غلام بعينه، حتى استفرد به وقتله، فاستنكر موسى هذا الفعل، وقال للخضر أقتلت نفسًا ذكية بغير حق؟، فعاد الخضر حديثه، وقال ألم أقل لك أنك لن تستطيع معي صبرًا؟، فربط سيدنا موسى نفسه بكلمة، وهو أنه إذا سأله عن شئ بعدها، فيحق له أن يتركه.

ثم وجد موسى والخضر قرية معروف أهلها بالبخل، إذ رفضوا إمدادهم بالمياه والزاد، حتى بعد إخبارهم أنهما على سفر، فوجد الخضر جدارًا كان على وشك الإنهيار، فمسح عليها الخضر بيده ليقيمها، فقال له موسى إذا أردت فيمكنك أن تأخذ أجرًا مقابل هذا الفعل، وعندها قرر الخضر إنهاء الرحلة مع موسى وقال هذا فراق بيني وبينك.
‏وفي الحديث الشريف :
‏( فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ ، فَمَرَّتْ سَفِينَةٌ ، فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ ، فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ ، فَلَمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ لَمْ يَفْجَأْ إِلَّا وَالْخَضِرُ قَدْ قَلَعَ لَوْحًا مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ بِالْقَدُومِ ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى : قَوْمٌ قَدْ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا . قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا ؟! قَالَ : لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا .

قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَكَانَتْ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا .
‏قَالَ : وَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْرَةً ، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ : مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مِثْلُ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْ هَذَا الْبَحْ
رِ
)

ثم الموقف الثاني :
‏يقول الله عز وجل :
‏( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا . قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا )
‏وفي حديث أبي بن كعب :
‏( ثُمَّ خَرَجَا مِنْ السَّفِينَةِ ، فَبَيْنَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إِذْ أَبْصَرَ الْخَضِرُ غُلَامًا يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ رَأْسَهُ بِيَدِهِ فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ فَقَتَلَهُ ) .

فَقَالَ لَهُ مُوسَى : أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ؟! قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا . قَالَ : وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنْ الْأُولَى . قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا )
‏ثم الموقف الثالث :
‏يقول الله سبحانه وتعالى :
‏( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا . قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ) .

‏وفي حديث أبي بن كعب :
‏( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ مَائِلا ، فَقَامَ الْخَضِرُ فَأَقَامَهُ بِيَدِهِ ، فَقَالَ مُوسَى : قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ؟! قَالَ : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ )
‏فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا .
‏ثم شرع الخضر في تفسير ما لم يستطع سيدنا موسى فهمه، فأما السفينة فكان ينتظرها ملك ظالم، يستولي على كل السفن غير المعيوبة، وأهل السفينة قومٌ مساكين، وإذا استولى الملك على السفينة سيهلك أهلها، فأراد أن يعيبها، حتى لا تؤخذ منهم، وهو على علمٍ بأنهم يستطيعون إصلاحها.
‏وعن قتل الغلام، فقال الخضر، أن الله أوحى له، أنه إذا كبر سيرهق أبوية كفرًا وطغيانًا، فإذا مات وهو صغير، لن يكتب عليه ذنب، فكان هذا رحمة للطفل ولوالديه، وأخبره الله أنه سيعوض والديه بولدٍ صالح .
‏وأما الجدار الذي أقامه دون مقابل، فهذه القرية بها غلامين يتيمين، جمع والدهما نقودًا، وأراد ألا يعرف عنها أحد شيئًا، فخبأها أسفل هذا الجدار، وإذا انهار الجدار لعرف أهل القرية وضاع حق الغلامين، ولكن الله أراد أن يكبرا ويحصلان على كنز والدهما.
‏فقد بينه الخضر في حديثه لموسى ، وقد حكى ذلك القرآن الكريم مفصلا في ختام سياق القصة في سورة الكهف : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا . وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا . فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا . وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ) الكهف/60-82.

والله تعالى أعلى وأعلم ،نسـأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علماً .
تعليقات