أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

قصة أصحاب السبت


أمر الله اليهود بتعظيم يوم الجمعة فتنطعوا ـ كما هي عادتهم ـ وقدموا رأيهم وقالوا بل نعظم السبت؛ فإن الله بدأ الخلق الأحد وانتهى الجمعة "واستراح السبت" كذا كذبوا عليه تعالى عما يقولون.
وقد سار النصارى سيرهم، وسلكوا مسلكهم وسبيلهم في المعاندة والمحادة لله، فاختاروا الأحد على الجمعة بحجة أن الله بدأ فيه الخلق، فألزم الله كلا بما اختار، ووضع عليهم الإصر والأغلال.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ اليَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ).
قال الإمام السُّدِّي: "إن الله فرض على اليهود يوم الجمعة فأبوا وقالوا يا موسى: إن الله لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعل لنا السبت، فلما جعل عليهم السبت استحلوا فيه ما حرم عليهم". "رواه ابن أبي حاتم".
قال تعالي: "وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ"(الأعراف 63).
قال رسول الله "صلي الله عليه وسلم": "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل" قال ابن كثير إسناده جيد.
وقعت أحداث هذه القصة في قرية تسمي "أيلة" وهي تقع علي شاطئ بحر القزم، قال ابن عباس: إن قوماً من بني إسرائيل في زمن داود "عليه السلام" سكنوا قرية علي شاطئ البحر بين مصر وحطين يقال لها "أيلة" وقال أيضًا: إن الله افترض على بني إسرائيل اليوم الذي أُفترض عليكم في عيدكُم "يوم الجمعة" فخالفوا إلى السبت فعظموا وتركوا ما أُمروا به، فلما أبوا إلا لزوم السبت ابتلاهم الله فيه، فحرم عليهم ما أُحل لهم في غيره، فحرم عليهم في "السبت" صيد الحيتان وأكلها.
فحرم الله على اليهود العمل والصيد يوم السبت، وابتلاهم سبحانه بفسقهم وتنطعهم، وكان من هذا ما ابتلى به أهل القرية التي كانت حاضرة البحر؛ فكان إذا جاء يوم السبت جاءت الأسماك والحيتان شرعا بيضا سمانا طافية ينظرون إليها، فإذا انتهى السبت وذهب ذهبت الحيتان فلا يرونها حتى السبت المقبل، فإذا كان يوم السبت رجعت إليهم كذلك. قال سبحانه: {كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون}(الأعراف).
فمكثوا على ذلك ما شاء الله، ثم إن نفوسهم الخبيثة أبت أن تصبر على طاعة الله ورفضت إلا العصيان.. فتحايلوا على أمر الله بالمكر والخديعة، كما هو ديدنهم دائما وأبدا، يمكرون ويمكر الله بهم، يخادعون الله وما يخدعون إلا أنفسهم والله سبحانه خادعهم..
فكان بعضهم يعمل أحواضا وبركا قرب البحر فإذا جاء السمك يوم السبت ووقع في الأحواض والبرك فمنعوه من الرجوع عن طريق حواجز جعلوها بين الأحواض والبحر، ثم يخرجون السمك يوم الأحد..
وكانوا إذا كان يوم السبت أقبلت إليهم الحيتان شرعًا إلى ساحل بحرهم، حتى إذا مضى يوم السبت، ذهبن فلم يروا حوتًا صغيرًا ولا كبيرًا، حتى إذا جاء السبت الذي يليه آتين سرًا، فإذا ذهب السبت ذهبن!!
وبعضهم كان يضع المصائد والشباك يوم السبت فيقع فيها السمك، ثم لا يخرجها إلا الأحد تحايلا ومخادعة بدعوى أنهم لم يصطادوه يوم السبت.
وبعضهم يمسك الحوت فيثقب أنفه ويربط فيه خيطا قد ضرب له في البر بوتد ثم يلقيه في البحر، فإذا كان الغد أخرجه.. وكل هذا نقل عنهم، وهي حيل شيطانية صبيانية لا تخيل على أحد يتحايلون بها على رب البرية سبحانه.
واستمر الحال على ذلك، حتى طال عليهم الأمد، فعمد رجل منهم فأخذ حوتًا سرًا يوم السبت فربطه بخيط ثم أرسله في الماء، وأوتد له وتدًا في شاطئ الساحل فأوثقه ثم تركه، حتى إذا كان الغد جاء فأخذه، أي إني لم أخذه في يوم السبت فانطلق فأكله، ثم أعاد الكرة في السبت الذي بعده، ووجد الناس ريح الحيتان، فقال أهل القرية: والله لقد وجدنا ريح الحيتان، ثم عثروا على صنع ذلك الرجل!!
ففعلوا كما فعل، وصنعوا ذلك سرًا زمنًا طويلاً فلم يعاقبهم الله حتى صادوها علانية وباعوها بالأسواق.
قال الشوكاني: فاحتالوا لصيدها، وحفروا الحفائر، وشقوا الجداول فكانت الحيتان تدخلها يوم السبت فيصيدونها يوم الأحد.
فكانت من الصفات المرذولة في بني إسرائيل، صفة الخداع والمكر والتضليل، والتحايل لتحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله؛ ولذلك حذر النبي "صلي الله عليه وسلم" أمته من هذه الصفات.
وقد حذر النبي أمته من مثل هذه المسالك الردية والطرق الإبليسية والحيل الشيطانية للتحايل على الأوامر الشرعية فقال: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل). قال ابن كثير: إسناده جيد.
وكان منهم ذوو أحلام وأصحاب عقول فنهوهم وقالوا تأخذونها وقد حرمها الله عليكم يوم السبت، فلم يزدادوا إلا غيا وعتوا، وطائفة رأت عنادهم وأنهم لا ينتهون عن غيهم فاعتزلوهم وقالوا للناهين عن المنكر: {لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون}(الأعراف: ).
فلما رأى الناهون أن القوم لا ينتهون اعتزلوهم وضربوا بينهم بسور خشية أن ينزل عليهم العذاب فيعمهم جميعا.
وفي صباح يوم لم يسمعوا لهم صوتا ولا رأوا منهم أحدا، فعلا رجل منهم السور الذي بينهم فقال: أي عباد الله قردة والله تعاوى لها أذناب مسخهم الله قردة.. ودخل الناس عليهم يعرفون الرجل بعينه، وإنه لقرد والمرأة بعينها وإنها لقردة، وعرفت القردة أنسابها فجعل القرد يأتي نسيبه من الإنس فيشم ثيابه ويبكي.. فيقول الإنسي لهم: ألم ننهكم عن ذلك؟ فيشير برأسه: أي نعم.
{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}(البقرة:65).
{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}(الأعراف:163ـ 166).
{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ}(المائدة:60).
وقد روى أهل التفسير أن الذين مسخوا كان عددهم نحوا من سبعين ألفا، ونقل عن ابن عباس وقتاده: صار شباب القوم قردة ومشيختهم خنازير. وبقي القوم ثلاثة أيام قرودا ثم ماتوا ولم يعقبوا.
روى مسلم عن ابن مسعود قال: (قال رجل يارسول الله.. القردة والخنازير هي مما مسخ؟ قال إن الله لم يهلك (يعذب) قوما فيجعل لهم نسلا، وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك).


من هذه القصة، يمكن أن نستلخص عدة دروس :

  • أهمية الامتثال لأوامر الله وعدم التحايل عليها.
  • الصبر على البلاء والابتلاء.
  • أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والله تعالى أعلى وأعلم ،نسـأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علماً .


تعليقات